بركان يوقظ القرن الإفريقي: بين المخاطر التكتونية وتعقيدات سد النهضة

الصحفي محمد رائد كعكة

شهدت إثيوبيا خلال الساعات الماضية حدثًا جيولوجيًا لافتًا تمثّل في ثوران مفاجئ لبركان ظلّ خامدًا لما يقارب عشرة آلاف سنة. فقد أفاد سكان منطقة أفديرا في إقليم عفر بأنهم سمعوا صوت انفجار شديد أشبه بانفجار صادر من باطن الأرض، أعقبه اهتزاز واضح في سطح الأرض وتحوّل السماء إلى ظلام في وضح النهار، قبل أن يرتفع عمود هائل من الرماد البركاني إلى ارتفاع تجاوز 45 ألف قدم.

وانطلقت سحب الرماد مع الرياح نحو اليمن وسلطنة عُمان والإمارات، ثم امتدت خلال ساعات قليلة باتجاه الهند وباكستان، الأمر الذي دفع بعض الرحلات الجوية إلى العودة، كما أصدرت سلطات الطيران في عدة دول تنبيهات عاجلة بشأن جودة الهواء. ووثّقت صور كثيرة من بلدان متعددة آثار الترسبات البركانية على الأرض.

لماذا حدث هذا الثوران الآن؟

تقع إثيوبيا على ما يُعرف بمثلث عفر، وهي إحدى أخطر المناطق التكتونية في العالم، حيث تلتقي ثلاث صفائح: العربية، والنوبية، والصومالية. وتتحرك هذه الصفائح مبتعدة عن بعضها منذ آلاف السنين، مما يؤدي إلى تمدد القشرة الأرضية وتشققها، ويتيح للمواد المنصهرة في باطن الأرض (الماجما) فرصة الصعود. ويرى الباحثون أن استمرار انفصال هذه الصفائح قد يقود، خلال ملايين السنين، إلى تشكّل محيط جديد يشقّ القارة الإفريقية.

العوامل المؤثرة في تنشيط الظواهر الجيولوجية:

شهدت إثيوبيا خلال السنوات الأخيرة نشاطًا زلزاليًا متكرّرًا، إضافة إلى الضغوط الواقعة على القشرة الأرضية نتيجة تراكم كميات هائلة من المياه خلف سد النهضة، إذ يبلغ مخزون السد حاليًا ما يقارب 64 مليار متر مكعب. وعلى الرغم من عدم وجود دليل علمي مباشر يربط بين السدود والنشاط البركاني، فإن ثمة علاقة مثبتة بين السدود الكبرى وبعض الأنماط من النشاط الزلزالي، وهو ما يُعرف بالزلازل المحفّزة بالسدود (RIS). ومن الأمثلة التاريخية البارزة زلزال كوينا في الهند عام 1967، الذي ارتبط بخزان مائي تبلغ سعته 10.5 مليارات متر مكعب وأدى إلى خسائر كبيرة. ويثير الفارق الكبير بين هذا الرقم وبين السعة الحالية لسد النهضة نقاشًا علميًا حول تأثير هذا الوزن المائي الهائل على منطقة نشطة تكتونيًا في الأساس. كما يشير بعض المتخصصين إلى أن نشاط بركان إرتا أليه المجاور ربما أسهم في إعادة توزيع الضغط داخل القشرة الأرضية، مما دفع الماجما إلى الخروج عبر بركان هايلي جُبي.

قصور إثيوبيا في إدارة المخاطر الجيولوجية:

أثار غياب منظومة وطنية للإنذار المبكر في إثيوبيا جدلًا واسعًا، إذ علم السكان بحدوث الثوران من خلال المشاهدات المباشرة، فيما استند المجتمع الدولي إلى بيانات الأقمار الصناعية الأجنبية لرصد تفاصيل الحدث، وسط غياب بيان رسمي علمي شامل من أديس أبابا. ويرى مراقبون أن هذا النقص يعكس تحديات أعمق في إدارة الأزمات داخل الدولة، لاسيّما في ظلّ توسّع مشروعات السدود، والتوترات الداخلية، والصراعات الإقليمية.

موقف الحكومة المصرية من التطورات:

تؤكد الحكومة المصرية في بياناتها وتحركاتها الدبلوماسية أن ما يحدث في إثيوبيا يبرز خطورة غياب الشفافية في إدارة ملف سد النهضة، وخاصة في دولة تشهد نشاطًا بركانيًا وزلزاليًا متزايدًا. وتشدد القاهرة على أن اعتماد أديس أبابا على إدارة منفردة للسد، دون تبادل للبيانات مع دولتي المصب، قد يعرّض الأمن المائي الإقليمي لمخاطر إضافية، ويحدّ من القدرة على مواجهة أي طارئ طبيعي أو فني. وتطالب مصر بالتوصل إلى اتفاق قانوني شامل وملزم يحدد قواعد ملء وتشغيل السد، ويضمن آليات للإنذار المبكر والتعامل مع الحالات الطارئة، خصوصًا في منطقة ذات طبيعة تكتونية معقدة مثل منطقة عفر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى